ملخص :
– في السادس من شهر أغسطس من عام ١٩٧٢ حاول الجنرال محمد أوفقير، الرجل الثاني في النظام يومها، اغتيال الملك الحسن الثاني. فشل انقلاب الجنرال أوفقير وأعدم الرجل فوراً بخمس رصاصات استقرت في جسده، يومها قرر الملك إنزال أبشع العقوبات بعائلة الجنرال المتمرد. فذاقت العائلة أقسى ألوان العذاب في معسكرات الاحتجاز والسجون والمطامير. يومها كان عبد اللطيف الأخ الأصغر، لا يكاد يبلغ الثالثة من العمر. هذا عن سنوات السجن، أما طفولة مليكة فهي فعلاً متميزة، إذ تبناها الملك محمد الخامس وهي في الخامسة من العمر، وترعرعت مع ابنته الأميرة أمينة لتقارب عمريهما، وحين توفي العاهل المغربي أخذ ابنه الحسن الثاني على عاتقه تربية البنتين وكأنهما بنتاه.
أمضت مليكة أحد عشر عاماً في حياتها في القصر، وراء أسوار قصر قلما خرجت منه، أي أنها كانت منذ ذلك اليوم سجية الترف الملكي، وحين سمح لها بمغادرته أمضت عامين من مراهقتها في كنف أهل متنفذين ومتمكنين. حين وقع الانقلاب تيتمت مليكة مرتين، أو فقدت والدها الفعلي وعطف الملك، والدها بالتبني.
هنا تكمن مأساة مليكة أوفقير وحدادها المزدوج وسؤالها الكبير عن الحب والبغض. فهل للحياة معنى حين يحاول أعزّ من عندها (والدها الحقيقي) قتل والدها بالتبني (الملك)؟ وكيف يتحول والدها بالتبني إلى جلاد بلا رحمة؟!! عظيمة كانت محنة مليكة، هذه المأساة هي جوهر هذا الكتاب.
عن الكاتبة :
تقييمي:
علمتني مليكة أن الأمل و الإيمان بالحياة يمكنهما أن يزحزحا الجبال عن أماكنها و يدفعا البشر إلى حفر أنفاق بأيديهم. – ميشال فيتوسي
عندما انتزعوني من حضن أمي، جردوني للأبد نت الطمأنينة و السكينة، و هجروا طفولتي، و أطفأوا في عيني بريق البهجة و الفرح. قاومت بكل ما أوتيت من قوة، بكل ما تبقى لدي من أسلحة طفولتي المغتصبة و المقهورة: بكيت… بكيت… ركلت… رجوت… ناديت أمي بحرقة… لكنها كانت أبعد من أن تسمعني.
و لكن ما كل ما نتمناه ندركه.. الملك وحده يدرك ما يتمناه.
لم أكن أعرف من أنا، ومن أكون، ولأي زمان و مكان أنتمي؟ كنت أشعر بغربة دائمة تخنقني و تحول حياتي إلى حجيم لا يطاق. كنت بحاجة لأكثر من أحد عشر عامًا لأتخلص من كل هذه الكوابيس التي ما انفكت تطاردني. نعم لم يكن الفكاك منها بالأمر السهل و اليسير. لقد بدأت، في سن متأخرة جدًا، أتعلم كيف أعيش على أرض الواقع القائم، و أصبح امرأة عادية مثل سائر النساء.
لا تتوقف مسيرة الحياة عن الدوران، مات الملك، عاش الملك، مات محمد الخامس، فعاش ولده الحسن الثاني. هذا الأمر بدا لي غريبًا و متناقضًا للوهلة الأولى، فلم أستوعب ما يحصل أمام ناضري. إذ كيف يمكن أن يجتمع الحزن و الفرح، الموت و الحياة، مراسم الحداد و التتويج؟! كنت ضغيرة السن، ولست متمرسة بعد في العادات و التقاليد الملكية التي كانت تحفل بأشياء غريبة و متناقضة.
تعلمت متى أتكلم و متى أصمت، و كيف أقرأ ما بين السطور، لقد تعلمت أن أستعين على قضاء حوائجي بالكتمان الشديد، و أن التحفظ و الحذر قاعدة ذهبية لا بديل لها.
كانت مشاعري النفسية حيال الملك معقدة و شائكة، ومن الصعب بمكان تحديدها و بلورتها. لقد حاول أبي أن يقتل أبي بالتبني مما أدى إلى قتله. كانت كارثة وقعت على رأسي أنا.
لقد كان احتضارًا بطيئًا لا يعرف القرار. لكن الموت ما زال بعيد المنال.
الجوع تبًا للجوع، و سحقًا له! كم يذل الانسان و يحط من قدره. إنه ينسيك أهلك، وعائلتك، وأصدقاءك، و يجردك من كل قيمك و مبادئك. و ينتزع منك كرامتك و إنسانيتك. إذ يحولك إلى وحش بشري لا يأتمر إلا بغريزته. و هذا ما أصابنا نحن. لقد كنا نرزح دائمًا تحت نير الجوع الدائم. و لم نشعر يومًا بالشبع. أما التخمة فقد امحت منذ زمن سحيق من قاموس تداولنا. نحن بالكاد نجد ما نسد به الرمق.
إن الكراهية تنهش الروح… و تضعضع الجسد… إنها لا تجدي نفعًا، و لن تعيد إلي الذي مضى.. و لا عمري الذي ضاع سدى… و لن تعوض خسائر عائلتي، و لن تبلسم جراح أمي و إخوتي، و أخواتي… الكراهية مدمرة… قاتلة… فتلاكة… و نحن نريد أن نحيا بسلام هذه السنوات المعدودة… و قبل فوات الاوان… لقد أنقذتني الصحراء من التهلكة… من التلاشي و الضياع… من التيه و الشتات… لقد وجدت فيها ضالتي… وجدت فيها أمني و طمأنينتي و سلامي… و انتمائي… فأنا منها و إليها… إنها مهد آبائي و أجدادي.. لقد تعلمت منها دروسًا و حبرًا… تعلمت منها أننا نحن بني البشر لسنا سوى عابري سبيل في هذه الحياة الفانية… وبأنه لا ينفع التباكي على الماضي… ولا إطاله الوقوف على الأطلال… وبأن أتقبل قدري بكل صبر و شجاعة، و أن أتخلى عن أقنعة الزيف و التصنع… و أن أكون أنا… وفقط أنا…
رغد الغامدي