ملخص :
جميلة، مؤلمة، ولا ترتوي منها
عن الكاتب :

– جميع أعمالة مكتوبة باللغة الفرنسية إلا أن العديد من كتبة ترجمت إلى العربية والإنجليزية
درس إبن جلون المتوسطة في مدرسية ثنائية اللغة (عربي-فرنسي) ثم درس اللغة الفرنسية في مدينة طنجة حتى أصبح في الثامنة عشر وبعدها أكمل دراستة الجامعية في عاصمة المغرب, الرباط, فدرس الفلسسفة و ألف أول قصيدة له في ذاك الوقت بعام ١٩٧١
عمل كبروفيسور يدرس الفلسفة أولا في طانجة ثم في كازابلانكاوبعد ذالك إنتقل إلى فرنسا ليكمل دراستة في علم النفس وأثناء ذلك قام بالكتابة بشغف شديد
في عام ١٩٧٢ بدأ بالكتابة لصحيفة فرنسية وفي عام ١٩٧٥و حصل على الدكتوراة في الطب النفسي الإجتماعي وأما في عام ١٩٨٥ نشر أول كتاب له وهو “طفل الرمال”.
تقييمي:
لطالما فتشت عن الحجر الأسود الذي يطهر روح الموت. و عندما أقول لطالما، أتخيل بئرًا بلا قعر و نفقًا حفرته بأصابعي، بأسناني. يحدوني الأمل العنيد بأن أبصر، ولو لدقيقة، لدقيقة متمادية خالدة، شعاع نور، شرارة من شأنها أن تنطبع في مأقِ عيني و تحفظها أحشائي مصونة كسر. فتكون هنا، ساكنة صدري، مرضعة ليالي البلا ختام، هنا، في هذا القبر، في باطن الأرض الرطبة، المفعمة برائحة الإنسان المفرغ من إنسانيته بضربات معزقة تسلخ جلده، و تنتزع منه البصر و الصوت و العقل.
و لكن ما جدوى العقل، هنا حيث دُفنا، أقصد حيث وُورينا تحت الأرض و تُرك لنا ثقب لكفاف تنفسنا، لكي نحيا من الوقت، من الليالي، ما يكفي للتفكير عن ذنبنا؛ و جُعل الموت في بطئه الرشيق موتًا متماديًا في تأنيه، مستنفدًا كل وقت البشر، البشر الذين ما عدنا منهم، و أولئك الذين ما زالوا يحرسوننا، و أولاءِ الذين حللنا في نسيانهم التام.
فالليل سيكون صحبتنا، ومرتعنا و عالمنا و مقبرتنا؛ كانت تلك أول معلومة بلغتني. فبقائي حيًا، و تعذيبي و احتضاري، أمورٌ مدوَّنة على غشاء الليل
لكني في الحقيقة كنت حيًا، مكابدًا الحياة في بؤسها المدقع
منذ ليلة العشر من تموز ١٩٧١، توقفت سنوات عمري. لم أتقدم في السن، و لم أجدد صباي. من يومها فقدت سني، فلم يعد باديًا على محياي. و الواقع أني ما عدت هناك لكي أمنح عمري وجهًا، إذ وقفت ناحية العدم؛ هناك حيث لا وجود للزمن، متروكًا للريح، مستسلمًا لذلك الشاطئ الواسع من الملاءات البيض التي يرجحها نَسَم خفيف، موهوبًل للسماء المفرغة من نجومها، من صورها، من أحلام الطفولة التي كانت هي ملاذها، المفرغة من كل شيء
يحاول أن يصدق أنه نائم و أن ما يراه إنما حلم مفرط في قبحه. لا، كنت أعلم أنه لم يكن حلمًا. كانت أفكاري صافية، و أوصالي ترتعد بقوة. لم أسد أنفي، بل تنفست القيء و الموت ملء رئتي.
كنت أقول في سري: الإيمان ليس هو الخوف، الانتحار ليس حلًا. المنحة تحد، المقاومة واجب و ليس فرضًا، و الحفاظ على الكرامة هو الشرط المطلق. تلك هي المسألة: الكرامة هي ما تبقى لي، هي ما يتبقى لنا. كل منا يبذل ما بوسعه لكي لا تكس كرامته، و تلك مهمتي، أن ألبث واقفًا، أن أكون رجلًا لا خرقة، لا ممسحة جنفاص، لا خطأ.
معظم الذين قضوا لم يقضوا جوعًا، بل حقدًا. الحقد يُضعف. إنه يتأكل الجسم من الداخل و يصيب جهاز المناعة. فعندما يقيم الحقد في دواخلنا، ينتهي الأمر بأن يسحقنا.
أقصد علينا أن نموت وحيدين. لم نعد موجودين. نحن أموات. و أنا واثق من أن أسماءنا قد شُطبت من قيد النفوس. فما الجدوى إذًا من حشو رؤوسنا بآمال كاذبة؟ إني أتكلم، أتكلم كثيرًا لأن ذلك يشعرني بوجودي، لا بل يشعرني بأني أقاوم. غير أننا صنيعو النسيان. لا بل نحن النسيان ذاته. يحدث لي أحيانًا أن أفكر جديًا في أنني ميت، و أننا أصبحنا في الآخرة، في الجحيم.
كنت قد لزمت الصمت، مقتنعًا بأني صرت كتابًا لن يفتحه أحد.
حكيمًا عجوزًا يهمس في أذني. و كان يردد ذكر الصبر :
أيها الكائن الذي مسه الضر،
اعلم أن الصبر فضيلة من فضائل الإيمان،
و اعلم أيضًا أنه هبة من الله.
أذكر النبي أيوب، الذي قاسى ما قاساه؛ أتى الله على ذكره لكي تتعظ، و يقول عنه إنه من الصالحين.
أيها المسلم، لست منسيًا يرغم الظلمات و الأسوار.
اعلم أن الصبر هو سبيل الخلاص و مفاتيحه. ففي آخر المطاف، أنت تعلم جيدًا أن الله مع الصابرين!
رغد الغامدي